الطفل من برج الجدي
برج الجدي :
21 كانون الأول (ديسمبر) إلى 19 كانون الثاني (يناير)
يبدو طفل برج الجدي عند الولادة كالعجائز . ثم يسترجع شيئا فشيئا
حيوية الطفولة و رونقها إلى أن يصبح بعد عدد من السنين في وضع يحسده عليه
مواليد الابراج الأخرى الذين في عمره . و يفسر البعض هذا النمو الخلفي الذي
هو عكس التطور الطبيعي عند الإنسان على أنه رمز واضح لتاريخ ولادة الجدي
الذي يقع كما نعلم ما بين احتضار سنة راحلة و ولادة أخرى جديدة .
إن هذا الطفل منذ البداية رزين قوي الإرادة مكتمل الفهم رصين النظرات إلى
درجة يشعر معها الكثيرون و على رأسهم والدته بالارتباك لاعتقادهم أنهم هم
الأطفال وهو الإنسان البالغ . و منذ البداية أيضا يتمتع بذوق خاص يدافع عنه
و يؤكده بأسلوب هادئ سلبي لا أثر فيه للعنف أو المشاكسة أو الصراخ أو أية
وسيلة من وسائل الطفولة عامة . و لهذا الطفل العجيب أهداف و أحلام واقعية
يستطيع تحقيقها دون أدنى ريب بفضل مقدرته التنظيمية و سيره بحسب روتينية
معينة . و بما أنه لا يشبه الأطفال من نواح كثيرة يبدو محروما من الصداقات .
ليس له سوى زميل أو اثنين على الأكثر . لكنه يعتاض من ذلك الحرمان بعلاقـة
ثابتة بأفراد العائلة , و بحياة بيتية لا يفضل عليها شيئا آخر .
يبدو هذا الطفل في المدرسة بطيء الذكاء نسبيا , منطويا على نفسه و عنيدا
بعض الشيء , و مع ذلك ينجح في دراسته , بل يتفوق فيها على الكثيرين , و ذلك
بفضل مثابرته و عدم لهوه باللعب أو الأحلام . ومع أنه قليل الاختلاط إلا
أنه ينجح في الوصول إلى مركز القائد أو الزعيم بين أترابه الذين يشعرون
نحوه بالتقدير و الاحترام. غير أنه يتهم أحيانا بالظلم و التعسف بسبب تحكمه
فيمن هم أضعف منه , و مقابل ذلك لا يتردد في الانقياد لمن هم أقوى منه و
أعلى شأنا دون التخلي قيد شعرة عن حقوقه التي يعرف كيف و متى يستردها .
يرفض طفل برج الجدي إهمال واجباته و مسؤولياته في سبيل اللهو أو
اللعب . لكن ذلك لا يمنعه من ملء فراغه بالصورة التي يريد . إن أساليب
التسلية عنده تختلف في الواقع عن المألوف و المعتاد , فأفضل لعبة يقوم بها
هي تقليد الكبار بوجه عام و أحد والديه بوجه خاص . مثلا تلبس طفلة برج
الجدي ثياب والدتها و تتبرج مثلها و تقوم مثلها أيضا بدور الأم و ربة
المنزل مستعملة الدمى مكان الأطفال الحقيقيين . أما الصبي فيمثل دور الطبيب
أو المحامي أو الأستاذ ناسجا على منوال أبيه و معدا نفسه لمستقبل مماثل .
هذا بالنسبة إلى مراحل الطفولة الأولى , أما في المراحل التالية فيظهر
الطفل الاهتمام بأفراد الجنس الآخر ولكنه لا يستطيع منع نفسه من الارتباك و
الخجل أمامهم . تلك الظاهرة كفيلة بجعل سن المراهقة أمرا شاقا عليه ما لم
ترافقها رعاية الأهل و تشجيعهم له .
على الرغم من بعض الصفات
التي لا تنبئ بسهولة كبيرة في طباع هذا الطفل يمكن القول أنه – إجمالا –
دمث الأخلاق رفيع التهذيب , قليل التبذير , واقعي الأحلام , جدير بثقة أهله
و معلميه و أترابه . إن في وجوده متعة حقيقية و نعمة لا يعرف قدرها إلا من
يرزق مثله ..