الأسرة السعيدة التواصل العاطفي بين الزوجين
التواصل العاطفي هو مفتاح السعادة بين
الزوجين، فالعلاقة بين الزوجين تبدأ قوية دافئة مليئة بالمشاعر الطيبة،
والأحاسيس الجميلة، وقد تفتر هذه العلاقة مع مضي الوقت، وتصبح رمادًا لا
دفء فيه ولا ضياء. وهذه المشكلة هي أخطر ما يصيب الحياة الزوجيَّة،
ويُحْدِث في صَرْحها تصدُّعات وشروخ، وعلى الزوجة أن تعطي هذه المشكلة كل
اهتمامها لتتغلب عليها، حتى تكون علاقتها بزوجها علاقة تواصل دائم، وحب
متجدد.
وبداية العلاج تكون بمراجعة كل منهما لما عليه من واجبات تجاه
الآخر، فلعل المشكلة قد بدأت من هذه الزاوية، إلا أن الحياة الزوجية لا تقف
عند هذا الحدِّ، فالعلاقة الزوجية هي علاقة إنسانية، وليست علاقة آلية،
فالرباط العاطفي بينهما حبل متين، يشكل ركنًا أساسيّا في الحياة الزوجية.
والعاطفة
علاقة متبادلة بين الزوجين، فالزوج يحرص على أن يشعر زوجته بحبه لها، وعلى
الزوجة أن تبادله هذه المشاعر الطيبة، وتعلن له عن حبها إياه وإخلاصها
ووفائها له في كل وقت، وللعاطفة -الصادقة- سحر على حياة الزوجين، فهي تحول
الصعب سهلاً، وتجعل البيت الصغير جنة يسعد فيها الزوجان والأبناء، ولهذه
العاطفة طرق تعرفها جيدًا المرأة الذكية، والكلمة الطيبة أيسر هذه الطرق.
فالمرأة
الحكيمة هي التي تشعر زوجها بحبها له، وتُكْبِرُهُ في نظرها، وأن تعوِّده
من أول أيام زواجها على طيب الكلام، فذلك هو الذي يغذي حياتهما الزوجية،
ويجعلها تثمر خيرًا وسعادة؛ فالحب إحساس وشعور تزكيه الكلمة الطيبة،
والاحترام المتبادل، ومبادلة كلمات الحب والمودة، فلا يمنع حياء الزوجة من
أن تبادل زوجها الكلمات الرقيقة والمشاعر الراقية، وعلى الرجل أن يشجع
زوجته على ذلك؛ بكلماته الرقيقة، وأحاسيسه الصادقة نحوها.. ولتكن ساحة الحب
رحبة بينهما، ففيها يتنافسان؛ أملاً في سعادة حياتهما في الدنيا، ورجاء في
أجر الله في الآخرة.
وفوق كل ذلك فإن الحساسية عند الزوجة قد تفسد هذه العلاقة، فعليها
-إذن-
أن تكون هي صاحبة القلب الكبير الذي يتغاضى عن هفوات الزوج، وهي بهذا
المسلك تَكْبُر في عيني زوجها، بل إن ذلك قد يدفعه إلى الحرص على عدم
الوقوع في هذه الهفوات مرة أخرى.
ولتعلم المرأة أنها في زمان عمَّت فيه
الفتن وانتشرت، وخلعت النساء فيه برقع الحياء، وبذلت كل واحدة منهنَّ جهدها
في التزين والتحلي.. والرجل قد تقع عينه على إحداهنَّ فيتمنى أن تكون
زوجته أجمل منها، ليشبع حاجته في الحلال فينال رضا ربه -سبحانه-، ومن هنا
كان على الزوجة أن تحرص على أن لا يراها زوجها إلا في ثياب جميلة نظيفة،
واضعة رائحة جميلة طيبة، لتكفي زوجها حاجته، وتساعده على كمال الاستمتاع
بها.
وعجيب شأن بعض النساء في حرصهن على بذل الوسع في التجمل والتزين
حال خروجهنَّ إلى الشوارع والطرقات، ولا يبذلن نصف هذا أو ربعه حال تواجدهن
مع أزواجهن في المنزل.. فليس من الإسلام في شيء أن تتحجب المرأة وتخفي
زينتها أمام زوجها، ثم تسفر عن جمالها أمام كل غاد ورائح خارج البيت.
فعلى
المرأة أن تتزين لزوجها قدر استطاعتها، وقد سئل صلى الله عليه وسلم: أي
النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر إليها..) [أبو داود وابن ماجه]
وهناك
أمور على قدر كبير من الأهمية قد تغفل عنها كثير من الزوجات، ظنًّا منهن
أن الكلام الطيب والعلاقة الحسنة هي السعادة فحسب، لا.. بل هناك البيت
النظيف الهادئ، الذي يحتاج إليه الزوج ليستريح فيه من عناء عمله، وهناك
أيضًا مائدة الطعام المعدة إعدادًا جيدًا، كل هذه الأمور تهم الزوج، بل إن
التقصير فيها يكون مكدرًا من مكدرات الحياة.
ويحسن بالزوجة أن تنظر إلى
علاقتها بأهل زوجها إلى أنها علاقة بينها وبين زوجها، فحسن علاقتها لهم
يعني حسن علاقتها به، فهي تحسن ضيافتهم، وترى في صنيعها هذا قربًا من
زوجها.. كما أنها تشجع زوجها على دعوة أصدقائه وإخوانه على طعام تعده لهم
فرحة مسرورة.. وكأن لسان حالها يقول لزوجها: أنا أحب من تحب، وأبغض من
تبغض.
وفوق كل ما سبق؛ على الزوجة أن تكون مُعينة لزوجها على نوائب
الدهر، فتقف إلى جواره، وتخفف عنه متاعب الأيام، ولها في سيرة السلف الصالح
قدوة، فعن أنس قال: اشتكى ابن لأبي طلحة (أي: مرض) فمات، وأبوطلحة خارج
البيت، ولم يعلم بموته، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيَّأتْ شيئًا
ونَحَّتْهُ (أبعدته) في جانب البيت، فلما جاء أبوطلحة، قال: كيف الغلام؟
قالت: هو أهدأ مما كان، وأرجو أن يكون قد استراح.
فظن أبو طلحة أنه شفي،
ثم قربتْ له العشاء، ووطَّأت له الفراش فجامعها، فلما أصبح اغتسل، فلما
أراد أن يخرج أعلمتْه بموت الغلام، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
أخبره بما كان منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعله أن يبارك الله
لكما في ليلتكما). فرزقهما الله ولدًا، وجاء من ذريته تسعة أولاد، كلهم
قَرَءُوا القرآن وحفظوه. [البخاري].
وعلى المرأة أن تداوم على الحديث في
أوقات مناسبة مع زوجها، فتتعرف أحواله، وما تعرَّض له في حياته اليومية،
فذلك يقرب المرأة من زوجها، ويُشعره بقيمته وأهميته. عن عائشة قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر (يعني: سنة الفجر)، فإذا
كنتُ مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذَّن بالصلاة (أي تقام). _[متفق
عليه] .
التفاهم بـين الزوجين:
الله -سبحانه- قد فطر الناس على طبائع
مختلفة وأخلاق متباينة، فقد يحب أحد الزوجين ما لا يحبه الآخر، وقد يكره
مالا يكرهه الآخر.. وقد تجد الزوجة اختلافًا بينها وبين زوجها في طريقة
الكلام أو المحادثة، أو اختلافًا بينهما في طريقة الملبس، أو أنواع الطعام،
أو في تنظيم حاجيات المنزل، أو في مواعيد النوم، بل قد يقع الاختلاف
بينهما في كيفية استمتاع كل منهما بالآخر.
ولا يكون التوافق بين الطباع
المختلفة إلا بحب يُلين الزوج للزوجة، والزوجة للزوج، عندئذ يصل الزوجان
إلى قدر التوافق النسبي الذي لا يشعر معه أي منهما بإهدار شخصيته أو
كرامته، فعلى الزوجة أن تصبر على اختلاف طباع زوجها عن طباعها وكذلك الزوج،
فتلك خصال شبَّ عليها كل منهما، وسرعان ما يتعرف كل منهما على ما يريح
الآخر، فيفعله أملاً في إرضاء نصفه الثاني، وتلك مرحلة على طريق التوافق
بينهما.
وعلى المرأة الفطنة أن تعرف ما يناسب زوجها من الثياب، والألوان
التي تليق بملابسه، والزي اللائق به في كل مناسبة؛ مما يحفظ له هيبته
ووقاره، وأن تهتم بطعام زوجها، فتتعرف على أنواع الطعام التي يفضلها، وتحرص
على تقديمها إليه، ولتعلم وقت تناول زوجها لوجباته فلا تتأخر عن موعده،
وتقدم له الطعام بالكيفية التي يحبها، سواء في طريقة إعداده، أوفي شكل
تقديمه.
والمسلمة تنتظر زوجها حتى يعود من عمله وإن تأخر، فلا تنام حتى
تطمئن على قدومه، فتحسن استقباله، وتعد له طعامه، وتحادثه فيما يدخل السرور
على قلبه، وتؤنسه حتى يخلد إلى فراشه، وهي تجتهد في الاستيقاظ مبكرًا،
وتوقظ زوجها وأبناءها لصلاة الفجر، لتبدأ بالخير يومها ويومهم، ثم تعد
للجميع طعام الإفطار، وتودع زوجها بشوق وحنان عند خروجه إلى عمله، وتوصيه
بتحري الكسب الحلال.. ثم تقوم بواجبات المنزل وتهيئته ليكون واحة للسكينة
والهدوء والاطمئنان. كل ذلك يهيئ للزوج جوًّا طيبًا، يجعله لا يفر إلى
النوادي والمقاهي وغيرها من الأماكن التي يكثر فيها الفساد.. الأمر الذي
يدمر الحياة الزوجية.
الزوجة العاملة:
وقد تضطر المرأة إلى الخروج
للعمل، أيًّا كانت أسباب اضطرارها، وتلك المرأة عليها أن تنظم حياتها بما
يضمن استقرار بيتها، وسعادة زوجها، حتى لا يشعر بابتعادها عنه وتقصيرها من
ناحية، أو عدم قيامها بمسئولياتها كزوجة، فلا تبقى خارج البيت في أوقات
وجوده، وإنما تجتهد أن تكون فترة عملها في وقت عمله خارج البيت، وأن تتواجد
معه في فترة واحدة.
الجمال والجنس والتواصل العاطفي:
العلاقة
الجنسية مشاركة بين طرفين، الزوج وزوجته، وقد تخجل بعض النساء فتترك أمر
هذه العلاقة للزوج بالكلية، وهو خطأ في فهم الطبيعة المزدوجة للعلاقة
الجنسية بين الزوجين، وقد تعتقد الكثير من النساء اللاتي يتمتعن بقسط وافر
من الجمال، أنهنَّ أقدر على إنجاح العملية الجنسية، وهذا الاعتقاد يترتب
عليه أن لا تقوم الزوجة بدور إيجابي عند الممارسة الجنسية، ظنًّا منها أن
جمالها وحده كاف لإتمام هذا الأمر على أكمل وجه.
والحقيقة التي ينبغي
معرفتها، هي أن الحياة الزوجية بكل جوانبها تفاعل بين الزوجين، ويجب أن
يكون كلاهما إيجابيًّا في تفاعله مع الآخر، سواء أكان هذا التفاعل في أمر
معنوي كإبداء مشاعر الحب والمودة، أو كان ماديًّا كتبادل المتعة الجنسية.
وجمال
المرأة المادي شيء نسبي في نظر الرجال، فقد يشتهي رجل المرأة الشقراء،
بينما يميل آخر إلى السمراء أوالسوداء، وقد يستحسن رجل المرأة القصيرة
البدينة، بينما يفضل آخر المرأة الطويلة الرشيقة، إلى غير ذلك.. وجمال
المرأة لا يتوقف على جسدها فحسب، فهناك الجمال المعنوي، الذي تكشف عنه
شخصيتها فتكون المرأة هادئة، متزنة، وقورة، محبة، راضية، قانعة، متواضعة،
لينة، متعاونة، ودودة، حريصة على إسعاد زوجها.
وامرأة بتلك الأوصاف هي
الجميلة حقًّا، وإن كانت أقل جمالا من غيرها. وهي تدرك أن من الخطأ تصوُّر
أن المرأة الجميلة هي وحدها القادرة على إرضاء زوجها وإشباعه جنسيًّا، بل
كلهنَّ قادرات على إنجاح العملية الجنسية بالمداعبة والملاطفة والدلال
المستمر وكلمات الغزل الطيبة، عند ذلك تمتع نفسها بما أحل الله تعالى، بقدر
ما تمتع زوجها.
لا مكان لليأس بـين الزوجين:
الرغبة الجنسية كغيرها
من رغبات الإنسان وشهواته، لا ترتبط بسنٍّ معينة عند الرجل أو عند المرأة،
إذ إنها جزء من التركيب العضوي لجسم الإنسان، ومن هنا ينبغي أن تعلم المرأة
أن الرغبة الجنسية عندها أو عند زوجها لا تنعدم عند ما يسمى بـ (سن اليأس)
فالمرأة إذا كانت تتمتع بصحة جيدة، ولا تعاني من الأمراض العضوية
أوالنفسية، فإنها تستطيع أن تمارس الجنس إلى سن متقدمة من عمرها.
صحيح
أن الرغبة في الجنس قد تقل بتقدم السِّنِّ، كما تقل نسبيًّا القدرة الجنسية
أيضًا، ولكنها تظل موجودة تؤدي وظيفتها دومًا، بل إن طول فترة الزواج تعطي
المرأة قدرة على التحكم والتكيف مع زوجها في مراحل العمر المختلفة. فمن
الخطأ إذن الاعتقاد بأن سن اليأس يعني نهاية النشاط الجنسي للزوجة، بل إذا
توافرت الرغبة في مزاولة الجنس لدى الزوجين لحدث الانسجام والوئام بينهما
مهما كان عمر الزوجين.
وقد يلجأ البعض إلى استخدام العقاقير الطبية
المنشطة للجنس، والتي قد تؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الأحيان، وإن
كانت هناك حالات نادرة تناسبها مثل هذه العقاقير، وقد تعاني المرأة من
البرود الجنسي، الذي يكون سببه إما عيب جسماني، ربما أمكن التغلب عليه
بالعلاج والعقاقير أو بالجراحة، أو عامل نفسي نحو الرجال، أو بسبب إهمال
الزوج لها، أو الخوف الشديد من الحمل والولادة، أو بسبب العنف والطيش
والاندفاع من جانب الزوج، فكل هذه الأمور تؤدي -غالبًا- إلى البرود الجنسي.
والمرأة
تحتاج إلى مدة أطول للاستثارة؛ حتى تستجيب تمامًا لنداء الجنس، فإن جهل
الزوج هذه الحقيقة أو تجاهلها -بسبب اندفاعه وسرعة استثارته- فقد تكون
النتيجة ألا تتهيأ الزوجة تمامًا فتصبح غير منفعلة بموقف الزوج، فعلى الرجل
أن يدرك هذه الحقيقة، ويتخذ من المقدمات الطبيعية اللطيفة لمعاشرة زوجته،
مثل كلمات الغزل، ولمسات الحنان، وغير ذلك ليهيئ الزوجة للاستجابة لنداء
الجنس بكل جوارحها، مما يحقق للعملية الجنسية نجاحها، ويقي المرأة من
البرود الجنسي، ولا حرج في أن تشير الزوجة على زوجها في مثل هذه الأمور.
وعلى
الزوجين أن يدركا أن خير أوقات الجماع هي أوقات الحاجة إليه، فإذا اشتهى
الرجل زوجته، أو اشتهته، عندها ينبغي أن يستجيب كل طرف منهما لحاجة الطرف
الآخر. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته،
فبات غضبان عليها، لعنتْها الملائكة حتى تصبح) [متفق عليه]. وكذا إذا رأى
من امرأة ما يعجبه ويثير شهوته، فإن إتيانه زوجته يحصنه من الشيطان، ويدفع
غوائل الشهوة، ويحفظ الفرج. قال صلى الله عليه وسلم: (المرأة تقبل في صورة
شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه، فليأتِ
أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم، وأبو داود].
وقال أبو سليمان
الداراني -رحمه الله-: الزوجة الصالحة ليست من الدنيا، فإنها تفرغك للآخرة،
وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعًا، وبصفة عامة فإن أوقات
الجماع وتحديدها يكون وفقًا لحاجة كلا الزوجين، وللزوجة أن تنال حظها من
زوجها متى شاءت، وللزوج مثل ذلك، قال تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم
أنى شئتم} [البقرة: 223].
ويرتبط بأوقات الجماع أن يتهيأ كل طرف للآخر،
وأن يكونا مرتاحين جسمًا ونفسًا، وأن يتسع لهما الوقت لراحتهما بعد
المباشرة الجنسية، وعلى الزوجة أن تهتم بنظافة مخدعها وجماله، لما لذلك من
علاقة قويَّة بإسعاد الزوج، وتمام استمتاعه بها، وكما ينبغي للزوج أن يحسن
المداعبة والملاطفة والمغازلة لزوجته، فعلى الزوجة -كذلك- أن تكون ماهرة في
مجاملة زوجها وملاطفته والثناء على حسناته والتجاوز عن سيئاته، والحذر من
أن توحي إليه أنه ضعيف أو عاجز، حتى ولو كانت مازحة، فإنه سرعان ما يتأثر
بذلك.
وعلى الزوجة أن تباسط زوجها بالكلام الحسن العذب الرقيق، وعليها
أن تلاعبه، وتعانقه وتقبله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر -رضي
الله عنه-: (هلاَّ بكرًا تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك) [متفق عليه]،
وهكذا يوضح صلى الله عليه وسلم أن الأمر مشترك بين الزوجين.
واستخدام
الروائح الطيبة له دور كبير في إنجاح الجماع؛ حيث تساهم في إثارة الأحاسيس
والمشاعر، وإضفاء السعادة على لقاء الزوجين، أما الروائح الكريهة فهي عامل
من العوامل التي تسبب النفور، وربما الكره، واللقاء بين الزوجين يتطلَّب
الهدوء والاسترخاء؛ حتى لا يجهد الجسم أو تتوتر الأعصاب، فيحول ذلك دون
الاستمتاع التام بالجماع.
وللجماع أوضاع كثيرة، ولا حرج في استعمال أي
منها مادامت في القُبُل، والتغيير في هذه الأوضاع يعطي اللقاء بين الزوجين
طعمًا جديدًا متجدِّدًا، فالنفس البشرية تملَّ من كل معتاد متكرر، وقد يصاب
البعض بالضعف الجنسي رغم شدة الإثارة وبشكل مفاجئ، ويخفقون في ممارسة
العملية الجنسيَّة، ولعلَّ هذا يرجع إلى طول فترة المداعبة التي تسبق
الجماع، وكذلك إلى طول الترقب والانتظار والتمنُّع، والعلاج من كل ذلك هو
الاعتدال في المداعبة، والبعد عن الإجهاد والتهيج الشديد من كلا الطرفين.
وقد
يلجأ بعض الرجال إلى استعمال الغشاء الواقي (الكبوت) كأحد الطرق لمنع
الإنجاب؛ حيث إنه يمنع ماء الرجل عن الوصول إلى رحم المرأة، ولا تخلو هذه
الطريقة من الضرر، فقد يحدث الحمل لوجود ثقب في الغشاء الواقي، كما أنه
يؤدي إلى عدم الإشباع الجنسي الكامل لدى كل من الزوجين، فينتج عنه بعض
القلق والاضطراب النفسي.
وقد يلجأ بعض الرجال إلى القذف خارج المهبل،
لمنع الحمل وهو ما يسمى بالعزل، ولهذه الطريقة أضرارها، فهي لا تعطي
الزوجين الفرصة للاستمتاع الكامل، مما يسبب اضطرابًا نفسيًّا لكليهما، وقد
ينشأ عنه الخلافات المستمرة بين الزوجين، وعدم استقرار حياتهما، إلا أن هذه
الطرق يمكن اللجوء إليها في بعض الحالات لعلاج بعض المشكلات الاجتماعية
مثل تنظيم النسل شريطة أن تكون برضا الطرفين من غير إسراف في استعمالها.
الأبناء والتواصل العاطفي:
للزوج
حقوق على زوجته، ولا يجوز أن تنشغل عنها أو تفرِّط فيها، حتى لو كان ذلك
من أجل أبنائه، فعليها أن توزِّع جهدها بين زوجها وأولادها، كما لا يجوز
لها أن تُقَصِّر في التزين لزوجها بحجَّة الأبناء. وإن انشغال المرأة عن
زوجها بحجة القيام بشئون المنزل أو الأولاد ليس عذرًا لها، فقد يدفع هذا
الإهمال الزوج إلى الفرار من المنزل، والبحث عن مكان آخر يجد فيه الأنس
المفقود والراحة المرجوة، بل قد يقع بعض الأزواج ممن ضعف إيمانهم وفَتَرَتْ
عزائمهم في بعض الرذائل الخلقية من جراء هذا الإهمال، فلتتقِ الزوجة ربها
في زوجها.
وتفاني الزوجة في رعاية أبنائها، والاهتمام بكل أمورهم- شريطة
أن توازن بينهم وبين أبيهم- مدخل من مداخل السعادة الزوجية، فعندما تهتم
الزوجة بأبنائها صحيًّا وأخلاقيًّا وعلميًّا، يصبح الزوج قرير العين، مرتاح
البال على زوجته وأبنائه.
أهل الزوجين ودورهم في التواصل العاطفي بـينهما:
رغَّب
الشرع في صلة الأرحام، وجعل الإحسان إليهم سبيلاً إلى الجنة، والزواج يوسع
دائرة الرحم، فعلى المرأة أن تحسن إلى أقاربها وأقارب زوجها معًا دون
تفريط في حق أي من الطرفين، فالإحسان إلى أقاربها فرْض عليها، وحبها لزوجها
يقتضي حب أهله والإحسان إليهم، فالرحم معلقة بعرش الرحمن، من وصلها وصله
الله، ومن قطعها قطعه الله، قال صلى الله عليه وسلم فيما روي عن ربه -عز
وجل-: (أنا الرحمن وأنا خلقتُ الرحم، واشتققتُ لها اسمًا من اسمي، فمن
وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من
سرَّه أن يبسط عليه في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه) [مسلم].
والزوجة
تزور أهل زوجها وتحافظ على استمرار المودة والألفة بينها وبينهم، فهم
أهلها، وإليهم ينتسب أولادها، واهتمام الزوجة بأهل زوجها، والحرص على
إفادتهم ونفعهم، وحسن مقابلتهم، والسؤال عنهم، وإهدائهم، ومعاونتهم، كل هذه
أمور تسعد الزوج، وتوفر الألفة والمحبة بينهما، وتحمل الزوج على احترام
زوجته وتقديرها، ويجب على كل من الزوجين أن يحافظ على صلة أقارب الآخر،
ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، فإذا غاب أحدهم عن زيارتهم؛ سارع للاطمئنان
عليه؛ ليرى إن كان في ضائقة، ويحتاج إلى أهله، فيراهم ملتفين حوله، يعرض كل
خدماته عليه.
وعلى الزوج أن يكرم معارف زوجته، فقد دخلتْ امرأة على
النبي صلى الله عليه وسلم فهشَّ لها وأحسن السؤال عنها، فلما خرجتْ قال
إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان) [الحاكم]. ويروى
أن شاعرًا جاهليًّا وقف مذكرًا بني أعمامه بصلة الرحم، وأن فيها الحياة،
وفي هجرها
الفناء، فقال:
إني أرى سَبَبَ الفناء وإنما سَبَبُ الفناء قطيعةُ الأرحام
فعلى
الزوجين أن يدركا مغزى الترابط والألفة بين أقاربهما، وأن فيه تواصلا
بينهما، يزيد الحب، ويكثر المودة والرحمة، ويغرس الاحترام والثقة بينهما،
فينبت الأبناء محبين للخير، مبغضين للشر، يبغون صلاح الدنيا بأسرها.
التعاون بـين الزوجين:
التعاون
بين الزوجين يعطي الحياة الأسريَّة مذاقًا رائعًا، فكلاهما يشارك رفيقه في
الحزن والفرح، وفي الفقر والغنى، وفي اتخاذ القرارات المناسبة، وعلى قدر
هذه المشاركة يصبحان كيانًا واحدًا، ونفسًا واحدة، وتتوافر السعادة الفعالة
بينهما، وتبقي المودة والرحمة، ويتحقَّق السَّكن النفسي.
وللتعاون بين الزوجين، والمشاركة في تحمل أعباء الحياة صور كثيرة، منها:
تعاون الزوجين في طلب العلم:
العلم
سبيل إلى الرفعة ونيل الدرجات العالية؛في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا، يُفَقِّهْهُ في الدين)
[متفق عليه].
وعلى الزوج أن يعلِّم زوجته أمور دينها، إن كان قادرًا على
ذلك، من حيث العلم والوقت، فإن لم يقدر فعليه أن يأذن لها بالخروج؛ لتحضر
مجالس العلم والفقه في المسجد أو المعهد، وعليه أن يُيَسِّر لها سُبُل
المعرفة من شراء كتب نافعة، أو شرائط مسجَّلة، بها دروس ومواعظ.
وقد
عملت زوجات النبي -رضوان الله عليهن- على تبليغ الدين، وأحاديث النبي صلى
الله عليه وسلم إلى سائر المسلمين، كما حرصت نساء الصحابة على التفقُّه في
الدين، فقالوا: يا رسول الله غلبنا عَليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك،
فوعدهنَّ يومًا لقيهنَّ فوعظهنَّ وأمرهنَّ. [البخاري] .
وبرز من النساء
فقيهات، ومحدِّثات، وواعظات، في القديم والحديث، فكانت المرأة تطلب العلم
كزوجها، لحرصها على التفقه في الدين، وحتى تربى أبناءها على الدين والتفقه
فيه. وكانت السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- فقيهة، تجيب عن أسئلة النساء،
وعرفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بالعلم الغزير.
التعاون على أداء الطاعات:
الزوجة
شريكة الرجل في حياته، وبها تسعد حياة الرجل أو تشقى، والمرأة الصالحة
تدفع زوجها لتأدية العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، وتساعده على المحافظة
عليها، بل وتعينه على قيام الليل، والتصدق على الفقراء، فالمرأة الصالحة
نصف دين الرجل حقًّا، والرجل الصالح معين لزوجته على طاعة الله وفعل الخير،
قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلا قام من الليل، فصلى وأيقظ امرأته
فصلَّتْ، فإن أبتْ رشَّ في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل
فصلَّتْ وأيقظتْ زوجها فصلَّى، فإن أَبَى رشَّتْ في وجهه الماء)
[ابن ماجه].
وما
أجمل أن يقرأ الزوجان معًّا شيئًا ولو يسيرًا من القرآن بعد صلاة الفجر،
ويجعلان ذلك وِرْدًا يوميًّا لهما، فإن كثيرًا ممن قاموا بهذا الأمر أقروا
بأثره الطيب على قلوبهم، بل إنه يذيب ما قد يعلق بقلب الزوجين من آثار
الخلافات. تلك هي المشاركة الفعالة في الحياة الزوجية، التي تسعد الزوجين
في الدنيا والآخرة.
التعاون في طلب الرزق:
النفقة حق للزوجـة وواجب
على الزوج، فعن معاويـة بن حَيْدة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله،
ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ،
ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت)_[أبو داود، وابن
حبان].
والزوجة الفاضلة لها مزايا عظيمة، حيث إنها توفِّر على زوجها
كثيرًا من نفقات المعيشة، تلبس ما يستر عورتها، وتأكل ما يَسُدُّ حاجتها،
وتستطيع أن تتحمل نصيبًا من أعباء زوجها، فقد ساعدت أسماء بنت أبي بكر
زوجها الزبير بن العوام -رضي الله عنهم- في زراعة الأرض التي أقطعها له
النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تحمل النوى على ظهرها مسيرة عدة أميال، ثم
تعدُّه غذاءً لفرس زوجها، حتى أهداها أبوها (أبو بكر الصديق) -رضي الله
عنهما- خادمًا يكفيها هذه الخدمة.
وكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش
الأسدية -رضي الله عنها- تدبغ الجلود، وتبيعها؛كي تجد لديها ما تتصدق به في
سبيل الله -عز وجل- وكانت زوجة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- تغزل
الصوف؛ لتساهم في اكتساب
القوت، ويمكن للمرأة أن تقوم بأعمال تعين الزوج
بها على العِفَّة وطلب الحلال، دون مبرر للخروج والاختلاط بالرجال، وهذه
الأعمال تدرُّ ربحًا وتعين الزوج، وليست واجبة عليها، لكنها من باب
المشاركة والتعاون، ومنها:
1- تربية الدواجن بالمنزل.
2- القيام بمهنة الخياطة للنساء.
3- القيام بأعمال التطريز والتريكو.
4- إعداد بعض التحف الفنية.
وكانت
المرأة من نساء الصحابة تنصح زوجها قبل خروجه لطلب الرزق في الصباح، وتقول
له: اتقِ الله فينا، ولا تطعمنا إلا من حلال، فإنا نصبر على الجوع في
الدنيا، ولا نصبر على عذاب الله يوم القيامة، وقد حثَّ الإسلام على الزهد
والقناعة، ورغَّب فيهما، فلا تتوق نفس المسلمة لما في أيدي أخواتها من
المال والنعمة. قال صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا،
وقنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا،
لم يَعِبْ طعامًا قَطَّ، إذا أحبه أكله، وإذا كرهه تركه، وكان يأكل الخبز
بالخلِّ، والخبز بالزيت، وكان صلى الله عليه وسلم يلبس ما تيسَّر من
الثياب، فيرتدي الثوب من الصوف، أو القطن، أوالكتَّان، ويرتدي مما يُهْدَي
إليه. ويجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل في وظيفة، إذا أصبح زوجها
عاجزًا عن العمل، أو احتاج العمل إليها، على أن تخرج عفيفة محتشمة، مبتعدةً
عن مواطن الاختلاط بالرجال ما وجدتْ إلى ذلك سبيلاً.
التعاون في أعمال المنزل:
ما
أروع أن يشارك الزوج زوجته في بعض أعمال المنزل، ولو من باب المودَّة
والمشاركة الوجدانية، والتقدير المعنوي.. فهي فرصة طيبة لتعبير الرجل عن
تقديره لزوجته، وتطييب نفسها، والتقرب إليها.. حتى ولو كانت هذه الأعمال
بسيطة؛ مثل: حمل الأطباق إلى المائدة، أو فرش سجادة، أو غير ذلك.
وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا يحتذَى في عونه لأهله، فقد كان يحلب
الشاة، ويرقع الثوب، ويخصف النَّعْل، ويخدم نفسه، ويقُمُّ البيت
(أي: يكنسه)، ويعقل البعير، ويعلف الجمل، ويعجن مع أهله، ويحمل بضاعته من السوق.
وفي
غزوة الخندق، شارك جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- زوجته لإعداد مأدبة
طعام، فذبح الشاة وسلخها وشواها، بينما كانت امرأته تطــحن الشعير، وتعدُّ
الخبز، فلما فرغ، دعــا النبي صلى الله عليه وسلم لمأدبته، فاصطحب النبي
صلى الله عليه وسلم الصحابة معه، فأكلوا جميعًا ببركته صلى الله عليه وسلم.
تعاون الزوجين في تربـية الأبناء:
الأولاد
زينة الحياة الدنيا، وهم أمنية كل زوجين، والأبوان يبذلان جهدهما لتربية
الأبناء أحسن تربية، ليكونوا ذرية صالحة، تأتمر بأوامر الله، وتنتهي عما
نهى عنه، أما إذا ترك الزوجان الأبناء دون تعهد ولا تربية سليمة، فإنهم
يكونون نقمة لا نعمة.
وتعاون الزوجين في التربية يقتضي تعهُّد الأبناء
بالرعاية، وقضاء حوائجهم من غير تقتير ولاإسراف، ودون تفرقة أو تفضيل
لأحدهم عن الآخر، فيكون العدل بينهم في الطعام والشراب والثياب، بل وفي
النظرة والبسمة والقُبلة كذلك، ولا يجوز تفضيل البنين على البنات، بل يجب
المساواة بين الجميع في كل شيء حتى في الهدية.
فقد جاء بشير بن سعد
الخزرجي ومعه ابنه النعمان -رضي الله عنهما- إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: يا رسول الله. إني أُشْهِدُك أنِّي قد نَحَلْتُ (أي: أعطيتُ)
النعمان كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَكُلَّ ولدك نَحَلْتَ؟) قال:
لا. قال: ) فأَشْهِدْ غيري). ثم قال: (أليس يسرُّك أن يكونوا في البرِّ
سواءً؟). قال: بلى، قال: (فلا إذًا) [مسلم والنسائي وابن ماجه].
ويقع
عبء التربية في جانبه الأكبر على الأمِّ؛ حيث إنها تشارك طفلها نهاره
وليله، تطعمه وتسقيه، وتمنحه الحنان والدفء، وتعلمه مبادئ الدين وتعالىمه
ومبادئ العلوم، وكيف يأخذ النافع، ويترك الضارَّ، وغير ذلك حتى يشب نافعًا
لنفسه ولأسرته ولأمته.
قال شاعر النيل حافظ إبراهيم :
الأمُّ مدرسة إذا أعددتها أعددتَّ شعبًا طيب الأعراقِ
أما
الوالد فإنه يكدح بالنهار؛ ليوفِّر لأهله حياة هانئة، وقد يصل الليل
بالنهار، فلا يبقى إلا وقت يسير يكون من نصيب نومه، وكثيرًا ما نسمع أن
الوالد يخرج لعمله في الصباح قبل أن يستيقظ الأبناء، ويعود في المساء بعد
أن يناموا، فلا يرى الأبناء أباهم إلا في أيام العطلات، بل قد يسافر ويمضي
السنوات بعيدًا عنهم، وهذا مما ينبغي أن يراجع الآباء فيه أنفسهم؛ لأثره
السيئ في
تربية الأبناء.
والحق أن عبء التربية يجب أن يتحمله الزوجان
معًا، فلا يجوز للأب أن يترك أبناءه دون رعاية، بل يجب عليه أن يجلس معهم
جلسات يومية، يتعرف أخبارهم، ويستمع إلى ما فعلوه في يومهم، ثم يوجههم
ويرشدهم إن أخطئوا، ويشجعهم إن أصابوا، حينئذ تسود روح التفاهم والتعاون
بين أفراد الأسرة، فيأتمر الأبناء بنصائح الآباء، ويحرصون على إرضائهم،
فيسهل على الآباء إرشادهم، وإصلاح السيئ من أعمالهم.
ويجب على الزوجين
أن يبذلا ما في وسعهما، ويتعاونا لتنشئة الأبناء على الصلاح والتقى، فإذا
ما أهمل الولد منذ طفولته دون تربية سليمة؛ صعب تقويمه في كِبَرِه، فالولد
يتطبَّع بما نشأ عليه. قال صلى الله عليه وسلم: (أكرموا أولادكم، وأحسنوا
أدبهم) [ابن ماجه]. ومن أُغْفِل في الصِّغر، كان تأديبه في الكبر عسيرًا،
قال الشاعر:
إن الغصون إذا قوَّمْتَها اعتدلت
ولا يلين إذا قومته الخشبُُ
قد ينفع الأدبُ الأحداثَ في صغر
وليس ينفع عند الشيبة الأدبٌ
ويراعى
تدريب الأبناء على الصلاة، وترغيبهم في حفظ القرآن، وقراءة النافع من
العلوم، وتنمية القدرات والمواهب الفطرية عندهم، وترغيبهم في التردُّد على
المساجد ودور العلم؛ لإبعادهم عن أماكن اللهو والفجور، والصُّحبة الفاسدة.
فإذا أحسن الزوجان في تعاونهما والصبر على تربية الأولاد، أدخلهما الله
تعالى الجنة، وحُجِبَا عن النار.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلتْ
على امرأة -ومعها ابنتان لها- تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة،
فأعطيتها إياها، فقسمتْها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامتْ
فخرجتْ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: (من ابتُلِي (أي:
اختبُِر) من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهنَّ (أي: أنفق عليهنَّ، وزوجهنَّ)،
كُنَّ له سِتْرًا (أي: حجابًا) من النار)_[البخاري، ومسلم، والترمذي].
معاملة الخدم:
قد
تعجز المرأة عن الوفاء بمتطلبات البيت: من نظافة، وإعداد الطعام، وتربية
الأولاد، وخدمة الزوج، وغير ذلك، فتلجأ إلى استخدام مربية أو خادمة؛ لتحمل
عنها بعض هذه الأعباء، والأولى أن يكون الخدم من المسلمين، وهؤلاء الخدم هم
إخوة لنا يجب الإحسان إليهم، وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة
والقدوة في كيفية معاملة الخدم. قال أنس -رضي الله عنه-: والله لقد خدمتُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، ما علمتُه قال لشيء صنعتُه: لم
فعلتَ كذا وكذا؟ أو لشيء تركتُه: هلاَّ فعلتَ كذا وكذا؟_[مسلم].
وقال
صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون،
وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم؛ فأعينوهم)
[البخاري]. فإن الرجل إذا أعان خادمه، غرس في نفسه المودة والمحبة وطيب
الخاطر، وقد يُستخدم الرجل كبوَّاب، أو طبَّاخ، أو سائق، أو بستاني، أو غير
ذلك؛ لضرورة الحاجة إليه، ومن دواعي استخدام الخادم -أيضًا- كبر سن الزوج
والزوجة، أو عجزهما.
ويجب اختيار خادم أمين، يكتم أسرار البيت، ويحافظ
على متاعه، ولا يجوز للزوج أن يختلي بالخادمة، ولا للزوجة أن تختلي
بالخادم، ولا يجوز لها أن تظهر زينتها أمامه، والأفضل أن يتعامل الزوج مع
الخادم، وأن تتعامل الزوجة مع الخادمة؛ درءًا للمفاسد، وحتى لا يقع مالا
تُحْمَدُ عقباه، وعلى الزوجة أن تراعي الحذر والحيطة في تعاملها مع الرجال
الذين يترددون على البيت بشكل دائم مثل: المكوجي، وبائع اللبن، ومحصل
الكهرباء، وغيرهم.
الحقوق محفوظة لكل مسلم